الاثنين، ١٣ أكتوبر ٢٠٠٨

هل 80 مليون مصري لايوجد بينهم من يصلح لخلافة مبارك سوي ابنه؟

كتبت هذا المقال اثناء اعتقالى فى سجن برج العرب
خطاباً من «محمد صالح مرعي» المعتقل في سجن برج العرب منذ إضراب المحلة في 6 أبريل الماضي، محمد طالب بكلية الطب البيطري، ومدون وناشط سياسي تم القبض عليه وهو يترجم للصحفي الأمريكي «جيمس كارل بك» ولم تخل وزارة الداخلية سبيل محمد رغم تحريات أمن الدولة التي أعدها المقدم محمد فتحي بمباحث أمن الدولة، والتي أثبتت براءته أمام النيابة.
تم اعتقالي علي خلفية تغطيتي لأحداث المحلة الكبري، وأودعت داخل عنبر الاعتقال الجنائي بسجن برج العرب (عنبر 23) مع المتهمين بالإتجار في المخدرات والسلاح، والهجرة غير الشرعية علي الرغم من أن الاتهامات التي وجهت إلي هي اتهامات سياسية، تتعلق بلقاءات صحفية أجريتها مع أهالي المحلة الكبري، وأخذ صور فوتوغرافية للأماكن المخربة، وعندما قمت بالإضراب عن الطعام احتجاجاً علي المعاملة السيئة داخل السجن للمطالبة بنقلي إلي العنبر المخصص للسياسيين، تم رفض هذا الطلب ولم يكن باستطاعتي سوي الرضوخ للأمر الواقع والانتظار حتي تنتهي هذه المعاناة.
لكن ما حدث معي وواجهته بعد ذلك كان أسوأ من أن يتم قبوله وأفظع من أن يرضخ له كأمر واقع، ففي مساء الثلاثاء الموافق 20 مايو تعرضت لسيل من الإهانات اللفظية والجسدية علي يد أحد أفراد المباحث في وجود أحد الضباط أثناء قيامهم بتفتيش غرفتنا، وعندما أخبرت الضابط بما حدث مستهجناً عدم احترام هذا المخبر آدميتي ومساسه بشكل سافر بكرامتي رد علي قائلاً: إن هذه هي قواعد السجن وإن ذلك هو المتبع مع الجميع دون استثناء فأخبرته أنه ليس هناك أي قانون علي وجه الأرض يمنحه الحق في إهانة أي إنسان آخر، وأن ما فعله هذا المخبر وأقر عليه هو عمل مشين من المهانة بمكان تجاهله والسكوت عليه.
هذه هي المرة الأولي التي تم اعتقالي فيها طوال حياتي فقد كنت أعتقد قبل ذلك أن مصر تعيش ملامح ديمقراطية حقيقية ولكن للأسف حتي هذه الملامح تكاد تكون موجودة كدعاية مزيفة للنظام الحاكم في مصر دون أن يكون لها مردود واقعي أو أساس من الصحة.
فنحن الآن نعيش كغرباء في بلادنا، وإن كان الأمر ليس كذلك، فلماذا نحن معتقلون هنا؟ لماذا تم الزج بي في السجن لمجرد إيماني بالفكر الليبرالي الذي سبق وفشلوا في تطبيقه علي المستويين الاقتصادي والسياسي!
لقد أصبح كل شيء موجود ويحدث في مصر الآن مرتبطاً بالحرف الناصب «كأن».. دون أن يكون في واقع الحال علي هذه الصورة المتخيله التي تم تشبيهه بها، فعلي سبيل المثال:
> يوجد في مصر نظام قضائي عادل «كأن» هذا النظام تطبق أحكامه من قبل وزارة الداخلية بالفعل.
> توجد في مصر مراكز حقوقية «كأن» هذه المراكز تمارس نشاطها بكل حرية ودون قيود أو مراقبة من هذا الجهاز الأمني.
> في مصر 80 مليون نسمة هم مجموع سكانها «كأن» هذا العدد الهائل لا يضم من يصلح لخلافة الرئيس مبارك سوي ابنه.
> في مصر صحف قومية «كأن» هذه الصحف تتحدث بلسان كل الطوائف الفكرية في مصر، وليس بلسان الحكومة فحسب.
> وفي مصر أيضاً أحزاب سياسية «كأن» هذه الأحزاب معروفة، ولها وجود في الشارع، وليس هناك أي قيود من الدولة عليها، وهناك في مصر صحف حزبية ومستقلة «كأن» ما تكتشفه هذه الصحف من فساد يتم التحقيق فيه ومحاسبة المخالفين.
> في مصر منظومة تعليمية «كأن» هذا التعليم يخرج أفراداً مؤهلين في مجالاتهم قادرين علي مواجهة الحياة بشكل يسهل عليهم إيجاد وظائف تتوافق ومؤهلاتهم العلمية.
> وفي مصر جهاز أمني ممثل في وزارة الداخلية «كأن» هذه الوزارة تقوم بتوفير الأمن والحماية لجميع المصريين ولا تختص بحماية رموز النظام الحاكم فحسب.
> وفي مصر سجون تديرها وزارة الداخلية «كأن» هذه السجون مخصصة فقط للمجرمين الذين يمثلون خطورة علي أفراد المجتمع وخالية تماماً من المعتقلين، وأصحاب الرأي وسجناء الضمير، و «كأن» هذه السجون تصان فيها حقوق الإنسان وتحترم آدميته.
> وفي مصر مجالس نيابية «كأن» هذه المجالس إفراز لانتخابات حرة ونزيهة وخالية من أي شبهة تزوير.
> وفيها أيضاً انتخابات لرئاسة الجمهورية «كأن» من يجرؤ علي الترشح في هذه الانتخابات ضد الرئيس مبارك لا يتم اضطهاده وتلفيق التهم إليه والزج به في السجن وملاحقة أتباعه ومناصريه.
> وفي مصر كذلك وزارة للثقافة «كأن» هذه الوزارة قد نجحت في تغيير ثقافة المواطن المصري وتحويله من حالة السلبية المفرطة إلي الإيجابية المطلقة في شتي مناحي الحياة.
وبها أيضاً نظام للخصخصة «كأن» هذا النظام يطبق بناء علي دراسات سليمة وليس بشكل هزلي وعشوائي.
خلاصة القول إننا صرنا نعيش حياة مزيفة في شتي ميادين الحياة؟ فنحن نعيش حالة من الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ونواجه هذا الواقع المر بقدر رهيب من اللامبالاة، ولكن حقيقة هذا الفساد تعجز عن الظهور كنتيجة مباشرة لتزييف الواقع والادعاء - كذباً- أن مصر تعيش أزهي عصور هافي السياسة والاقتصاد؟ بينما يحدث في المقابل عكس ذلك في الدول المحترمة حيث ينعكس نجاح الأنظمة السياسية والاقتصادية- الحقيقي- لهذه الدول علي صورتها في الخارج الأمر الذي تفشل معه أي محاولات لتزييف الواقع والتغطية علي هذه النجاحات إذن فما هو الحل.
هذا هو السؤال الذي ينبغي أن نبحث له عن إجابة.
محمد صالح أحمد مرعي
طالب في كلية الطب البيطري جامعة المنصورة.
نشر هذا المقال فى جريدة البديل