الاثنين، ٢٩ سبتمبر ٢٠٠٨

الدكتور زياد بهاء الدين يكتب لـ«المصرى اليوم» عن الانهيار المالي العالمي الكبير (٢ـ٤) تأميم المؤسسات المالية الكبري: اشتراكية أم منتهي الرأسمالية؟


٢٩/ ٩/ ٢٠٠٨
من أعجب ما يتردد اليوم القول بأن الحكومة الأمريكية، وقد مرت بتجربة انهيار المؤسسات المالية الكبري، قد لجأت إلي تأميمها عدولاً عن أفكار السوق الحرة التي تبنتها لعشرات السنوات، واقتناعاً بأن ملكية الدولة هي الطريق السليم لإدارة الاقتصاد.
فإن كانت أمريكا نفسها، راعية الحرية الاقتصادية ورمز الرأسمالية، قد عرفت الحق من الباطل، وأدركت أن ملكية الدولة هي الحل، فما بالنا بالدول النامية والناشئة التي لاتزال في أول الطريق؟ والعجيب فيما سبق أنه يستند إلي تفسير خاطئ تماماً لما قامت وتقوم به الحكومة الأمريكية بتدخلها وقيامها بتأميم المؤسسات المالية التي تعثرت..
الخطأ هو الاعتقاد بأن تأميم المؤسسات المالية عدول عن فلسفة الاقتصاد الحر، لأن العكس هو الصحيح. فالسياسات التي انتهجتها الحكومة الأمريكية حيال الأزمة المالية الراهنة ترمي تحديداً إلي إنقاذ مؤسسات الاقتصاد الحر من الانهيار، وتنطوي علي مخاطرة كبيرة بأموال الخزانة العامة وبمدخرات المجتمع التي كان يمكن إنفاقها في خدمات ينتفع بها الفقراء وأبناء الطبقة الوسطي بدلاً من أن يتم توجيهها لإنقاذ أسواق للمال لا يتعامل معها سوي الأكثر ثراء.
التأميم في هذه الحالة إذن ليس رداً لملكية أدوات الإنتاج إلي الشعب، بل إنه استخدام لأموال الشعب في الخروج من مأزق لأكثر المؤسسات تعبيراً عن السوق الحرة، حتي تستقيم أوضاعها مرة أخري، ثم تعود للقطاع الخاص مرة أخري. بل إن المعارضة لتدخل الحكومة الأمريكية علي هذا النحو لم تأت من جانب المدافعين عن السوق الحرة، بل جاءت من جانب من يرون أن الدولة تضحي وتخاطر بأكثر مما ينبغي من أجل حماية مؤسسات السوق.
ولكن إن كان من الخطأ القول بأن التأميم هو الحل، فإن الأكيد أن هناك خللا كبيرا قد أفرزته الأزمة المالية الراهنة. هذا الخلل لا يتعلق بملكية المؤسسات المالية، وإنما يتعلق بالرقابة عليها.
فالشطط الذي أصاب العاملين في بعض هذه المؤسسات، والتوسع في الإقراض بلا حساب، وإهمال القيام بواجبات الدراسة الائتمانية والتعرف علي قدرة المقترض علي السداد، وضعف الضمانات العقارية، وتعقد الأدوات المالية التي تزيد من المخاطر بدلاً من أن تحد منها، وانتشار الشائعات، كل هذه الأمور التي كانت وراء حدوث الأزمة لم تكن بسبب ملكية القطاع الخاص للمؤسسات المالية، بل بسبب انعدام الرقابة السليمة عليها.
بمعني آخر، فإن هذه الظواهر ما كانت لتحدث لو كانت الرقابة علي المؤسسات المالية سليمة وكافية، بينما ما كان ليحد منها بالضرورة لو كانت ذات المؤسسات مملوكة للدولة.
ولنتذكر أن حجم الأزمة التي تعرضت لها مصر في القطاع المصرفي بسبب تراكم الديون الرديئة في العقد الماضي كانت بسبب ضعف الرقابة علي البنوك رغم أن معظم تلك البنوك كانت مملوكة للدولة.
المعيار الأهم إذن ليس من يملك المؤسسة المالية، بل طبيعة الرقابة عليها، لأن الإدارة السيئة يمارسها القطاع العام والخاص علي حد سواء، بينما الرقابة السليمة هي خط الدفاع الحقيقي عن مصالح المودعين والمستثمرين والمجتمع.
هذا كله لا يتعارض مطلقاً مع فكرة أن تحتفظ الدولة بملكية بعض البنوك والمؤسسات المالية الرائدة لكي تتمكن من خلالها من تنفيذ برامجها التنموية والاقتصادية، ولكنه مجرد تأكيد علي أنه حتي في هذا الوضع فإن مجرد ملكية الدولة للبنك لا تحقق الحماية الكافية، ولا يجب اعتبارها دليلاً علي سلامة النظام المالي. الرقابة السليمة وحدها هي الكفيلة بذلك.