الأحد، ٢٤ أغسطس ٢٠٠٨

مسعد ابوفجر وجراح سيناء

كتب مسعد ابوفجر............................................
لم يكن هناك طريق، مشى البعض من هنا، فصار طريقا..
أكثر من خمسة وعشرين عاما، ونحن نشرب التعذيب والتمييز والإقصاء والاحتقار دقيقة وراء دقيقة.. حتى اعتقد البعض إن الذل صار يمشي كالدم في عروقنا.. خاصة وهو يرانا نتحايل كالثعالب على الحياة. تحايلنا تجلى في صور شتى، أكبر شيخ من مشايخ قبائلنا يرسله المخبر ليشتري له علبة سجاير من الكشك اللي قدام قسم الشرطة، اما نحن فقد صار البعض منا مثل لاعب السيرك بين الأجهزة، يلعب مع الأمن القومي ليحميه من امن الدولة، ومن لم يجد له مكان في الأمن القومي، لعب مع امن الدولة لتحميه من جهاز شئون البدو.. ومن لم يجد له مكان في جهاز أمن الدولة، لعب مع جهاز شئون البدو، ليحميه من جهاز مكافحة الجراد... وهكذا في دوخة لا تنتهي حتى تبدأ.. هذا على مستوى كبارنا، أما إحنا الناس العاديين، فقد صرنا نلف عن الأكمنة، لنتحاشى التمييز الذي يصفع وجوهنا عليها، نغير محل إقاماتنا ولوحات سياراتنا إلى محافظات أخرى، حتى نتحاشى الإهانة، نحاول قدر المستطاع ان نبتعد عن الدوائر الحكومية، إما إن لقينا نفسنا مجبرين، فسوف نبحث عن وسيط، ندفع له، حتى يخلصنا من الذل والمهانة، التي نتعرض لها إثناء تعاملنا مع الموظفين، الذين جاءت بهم الدولة، من قراها البعيدة، ليضخوا الحضارة في عروقنا (!!!) وليصيروا حكامنا الجدد.. خمسة وعشرون سنة ونحن ندفع للضباط والوسطاء والمخبرين، إن قبضت الشرطة على قريب لنا، حتى نبعد عنه عذاب التعليق والخوزقة، وهما تقليدان توارثهما حكامنا الجدد عن المماليك والعثمانلي.. وحتى لا نطيل الكلام، تعالوا الآن نمرق على محطات فارقة في علاقتنا معهم:
كان الحدث الفارق في التسعينات حين قامت الدولة بالاعتداء الجماعي على قبيلة تياها، وجر شيوخهم بواسطة الجيبات على الإسفلت، وتعليق نساءهم، وحجز رجالهم، وجعلهم يمشون على أيديهم وأرجلهم ثم ركوب عساكر الأمن المركزي على ظهورهم وضربهم بالعصا على أوراكهم، كما يفعلون مع الحمير في بلدانهم. لم يكن هذا حدثا عاديا، بل كان مثل 11 سبتمبر له ما قبله وما بعده.. فالحكومة فهمت غلط، إن الأرض هيأت لها تماما، إما البدو فقد عرفوا إن هذه الدولة لا تراعي فيهم عهدا ولا ذمة.. فهذه دولة ضعيفة، وقد فسرت صبرهم على انه ضعفا، وكان طبيعيا إن يكون رد فعلها جاهلا وعنيفا ومؤذيا. تلك الواقعة كانت ذروة التيه، التي سيعقبها حتما عملية البحث عن الطريق.
وكانت البداية حين اجتاز عرب العزازمة الحدود إلى إسرائيل، ورأى الناس كيف عادوا ليعيشوا في بطن جبل الجايفة، موطنهم الأغر، بهدوء وتوقفت تماما اعتداءات رجال الأمن ضدهم..
ولكن هذه الطريقة، طريقة العبور إلى إسرائيل، كان من الصعب على بدو سيناء ان يبلعوها، خاصة وفعل العزازمة له ما يبرره، من جهة إن العزازمة قوم بلادهم الأصلية شمال الحدود، وليس جنوبها كما هو الحال مع بدو سيناء ..
خرج احد عشر شابا، احتجاجا على القبض على أبيهم، وسدوا الطريق الدولي إلى طابا، مما اجبر السلطة للافراج عنه في الحال..
يوم 5/5/2004 طلع الشاب ربيع لويمي إلى أعلى التل، ليلتقط تليفونه المحمول الشبكة، فرآه كمين متحرك فأطلق عليه النار فأصابه في كتفه، فخرج الشباب وقفلوا معبر العوجة.
لم يكف رجال الأمن عن دخول تجمع المهدية، وهو التجمع الذي يبعد عن رفح إلى الجنوب بأقل من عشر كيلومترات، حتى سنة إلفين واثنين، حين اصطدم موسى أبو فريح مع واحد منهم.
وبتحرير المهدية، صارت المنطقة من منتصف حدود رفح الجنوبية، وحتى طابا في جنوب سيناء محررة تماما من سيطرة رجال الأمن..
وأخيرا جاءت اللحظة الحاسمة، لما أطلق رجال احد الكمائن المتحركة النار، من مدفع غرينوف، على سيارة مارادونا يسوقها خليل ابو جبرة، والى جواره سليمان حسين المنيعي، فمات الثاني في الحال بطلق في رأسه، وبعد ساعات تبعه رفيقه.
وعلى إثر الحادث خرج رجال البدو إلى الشارع، أوقدوا النار في إطارات الكاوتشوك، ولما تربص بهم الأمن، انقضوا على إسفلت الحدود، وسيطروا على المنطقة تماما، وكان المشهد مدويا...... أستمرت السيطرة على الحدود لمدة خمسة إيام بلياليها، ثم تبعها خمس مؤتمرات، كل مؤتمر اقيم على ارض واحدة من قبائل سيناء، وثمان ندوات في اماكن مختلفة من القاهرة، لتعريف بقية الشعب المصري بمأساة بدو سيناء، وأحقيتهم الكاملة في النضال..
ولما تلكأ حكامنا الجدد، سارت مئات السيارات وطوفت مدينتي الشيخ زويد ورفح، كان المشهد مباغتا، وكانت تلك لحظة ذعرهم الحقيقية، فقد كان بامكان هذه السيارات السيطرة على اي مكان تختاره في سيناء، ولكنها فاجاتهم حين التفت وعادت الى النقطة التي انطلقت منها، لينعقد هناك مهرجان خطابي، يذكر الحكومة بان الباقي من الزمن 48 ساعة فحسب، وبعده سوف يبدأ الاعتصام..
الآن نستطيع ان نقول ان النتائج لم تكن بحجم فعل الرجال، إلا انه ورغم هزالة العدد الذي تم الإفراج عنه من المعتقلين (حتى كتابة هذه السطور افرج عن حوالي ثلاثين فقط) إلا ان النتيجة الاهم، هي انه: لم يكن هناك طريق، فمشى البعض من هنا، فصار طريقا..